أمانة العاصمة والتخطيط الأساس لبغداد..كيف تأسس حي بغداد الجديدة؟

أمانة العاصمة والتخطيط الأساس لبغداد..كيف تأسس حي بغداد الجديدة؟

كانت أولى المحاولات الجادة لتخطيط مدينة بغداد، قد جرت في بداية عام 1936، عندما استدعت الحكومة العراقية مختصاً المانياً بتخطيط المدن هو البرفسور بريكس وأوكلت اليه أمانة العاصمة إعداد تصميم حديث لبغداد،

فكتب تقريراً أوصى بموجبه فتح شوارع جديدة، ومنها شوارع قد تقرر فتحها لم تفتح، مثل شارع الملك غازي (الكفاح)، وأوصى بفتح شارع عريض مواز للشارع المذكور. وقد اعتمد تقرير بريكس على اساس ان مدينة بغداد يومذاك لاتستوعب اكثر من نصف مليون نسمة اذا ما بقيت على حدودها القديمة.

ورغم عدم وجود تصميم اساس لبغداد، فقد شهدت الثلاثينات ظهور أحياء جديدة تضم أبنية دور مختلفة، ومنها كبيرة المساحة والبناء، استعملت فيها وسائل البناء الحديثة. واستمر الأمر في الاربعينيات فكثر البناء في مناطق البتاوين والعلوية والكرادة الشرقية وبارك السعدون والاعظمية وهيبت خاتون وكرادة مريم. وبدأت في هذه الفترة ظاهرة المضاربات بتجارة الارض والبناء، ليست بين الاثرياء او مالكي الاراضي، بل بين السياسيين وشيوخ العشائر وغيرهما، مما أدى الى ارتفاع أسعار الاراضي، ارقام غير مسبوقة.

بغداد الجديدة:

في عام 1945 تأسست في بغداد شركة بأسم (بغداد الجديدة) لانشاء الدور السكنية الحديثة، جاء اسمها تشبيهاً لشركة مصرية انشأت هي مصر الجديدة في القاهرة، تولى ادارة الشركة جاسم محمد عبد الغني السامرائي مع عدد من المشاركين اليهود فيها. وكان رأسمال الشركة في بداية تأسيسها مليون دينار، وعرضت اسهمها للبيع بسعر خمسة دنانير للسهم الواحد، فحصل أقبال كبير على شراء تلك الأسهم. وبعد الأكتتاب باشرت الشركة عملها فأشترت ارض واسعة من آلاف الدونمات في جنوبي شرق بغداد (حدودها من الغرب منطقة تل محمد ومن الجنوب معسكر الرشيد وأراضي عبد الجبار غلام، ومن الشرق اراضي شفيق نوري السعيدي وزيونه من الشمال).

وأستدعي مهندس مصري يدعى (سيد عبد الكريم المصري) التخطيط المدينة الجديدة، وهو نفسه الذي خطط منطقة مصر الجديدة، فكان الشبه بين المدينتين كبيراً. وقد كان اول بناء لها هو كازينو (ليالي الأنس) ودور منفردة باعتها بأسعار عالية. وعندما أزداد البناء اهتمت الشركة بتوفير الخدمات الرئيسة للمدينة، ونصبت جسرين في مدخلها، وعبد طرقها وانشأت سوقاً عصرية فيها. كما قامت بتأسيس ساحة لسباق الخيل على جانب الطريق المؤدي الى بعقوبة. غير ان هذا المشروع واجه العديد من المشاكل في بدايته. ابرزها فيضان نهر دجلة، اذ غمرت المياه في فيضان 1954 المنطقة مع معسكر الرشيد وسائر مناطق الرصافة في شرقي السدة، وبعد انتهاء خطر الفيضان بعد فتح مشاريع مجلس الاعمار الكبرى، أخذت مدينة بغداد الجديدة بالأزدهار والتوسع على الرغم من ظهور منافس لها في الجانب الغربي من بغداد، وهي شركة المنصور.

وشعرت الحكومة العراقية ممثلة بأمانة العاصمة بضرورة ايجاد تخطيط جديدة لبغداد، فأستدعت عام 1945 مؤسسة (مونبريو) الانكليزية وكلفتها باعداد تصميم جديد للمدينة يتلائم والتطورات الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية. وكان من مقترحات هذه المؤسسة فتح طرق جديدة تصل بين المناطق السكنية ومراكز العمل والتسوق وانشاء خمسة جسور جديدة، ونقل المطار المدني الى منطقة قريبة من طريق الفلوجة، وإنشاء محطات ومخازن وأرصفة شحن خلف السدة الشرقية وتخصيص اراض كمناطق صناعية في الدورة وأبو غريب وجنوب معسكر الرشيد، ونقل معامل الطابوق الى ابعد مما هي عليه.

ولايمكن نسيان دور مجلس الأعمار في الخمسينات في رفع حركة الأنشاء والاعمار وتنفيذ العديد من مقترحات التصميم والتخطيط. أنبثق مجلس الأعمار بعد زيادة عائدات النفط العراقي، وحصول العراق بموجب أتفاقية النفط الجديد في أوائل الخمسينات على نصف الأرباح (إتفاقية 3 شباط 1952)، وكان ان أرتفعت عائدات النفط الى 50 مليون دينار بعد ان كانت قبل خمس سنوات لاتتجاوز 5 ملايين دينار فقط. وقد قررت الحكومة العراقية ان تكون النسبة الأكبر من هذه الزيادة المالية لتنفيذ مشاريع مجلس الأعمار. وكان مشروع سد وبحيرة الثرثار لسنة 1956 من اهم المشاريع التي كان التأثير الكبير على العاصمة، فبفضل هذا المشروع تمكنت الحكومة من السيطرة على فيضان دجلة وأصبح الخطر على بغداد ليس كبيراً، وصار وضع تصاميم جديدة للتوسع المتوقع من الأمور الضرورية.

يذكر أمين العاصمة فخري الفخري في مذكراته انه قدم طلباً للحكومة لاستقدام المستشارين البريطانيين (مينوبريو وبنسلي وماكفارلين) للقيام باعداد دراسة شاملة لوضع تصميم جديد، فقدم هؤلاء تقريرهم عام 1956، ويقوم تصميمهم الأساسي لبغداد على ان يكون التطور على شكل شعاعي يسهل الحركة في المدينة وأطرافها. وأهم ما جاء فيه فتح شارع عريض بين شارعي الرشيد وغازي (شارع الخلفاء حالياً) وانشاء مشروع تصريف المياه القذرة، وهو مشروع مهم تتخلص به العاصمة من مشكلة مزمنة.

وفي عام 1958 كلفت الحكومة شركة (دوكسيادس) اليونانية بأعداد تصميم جديد للمدينة يراعى فيه موضوع إستحداث أحياء سكنية جديدة. وان يكون التصميم على شكل مربع بطرق مستقيمة متوازية ومتقاطعة مع بعضها. وكانت مؤسسة (دوكسيادس) قد تعاقدت مع مجلس الاعمار (أصبح وزارة بعد ثورة 14 تموز 1958 باسم وزارة الاعمار ثم وزارة التخطيط بهيئته الخامسة المسؤولة عن السياسة الاسكانية لوضع التصاميم والأشراف على مشاريع الأسكان عند تنفيذها. وفي عام 1959 قررت الحكومة العراقية إنهاء العمل مع هذه المؤسسة ونقل اعمالها الى هيئة عراقية.

اترك تعليقك


لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *