تألقت مدينة الموصل على مر العصور بفضل إبداعها في صناعة المعادن، حيث انتشرت منتجاتها الفريدة في عدة دول عربية وأجنبية، وتُحفظ العديد منها في مرمى أعين المتاحف الرائعة، مثل متحف الفن الإسلامي في القاهرة والمتحف البريطاني ومتحف اللوفر ومتحف برلين ومتحف اسطنبول. يتسم إبداع المدينة بأسلوب فريد يتضح في استخدام الإشكال الآدمية والحيوانية، ومناظر الصيد المتنوعة. أشاد المستشرق ستانلي لين بول بأن المدرسة الموصلية أثرت بشكل كبير في مدارس المعادن الأخرى، وأكد الباحث كونل أن الموصل كانت رائدة في صناعة المعادن خلال العصر العباسي، خاصة في القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي.
تألقت المدينة بصناعاتها المهمة، منها علبة معدنية لإسماعيل بن ورد الموصلي، وشمعدان لعلي بن عمر بن إبراهيم الموصلي، وطست وإبريق لأحمد الذكي النقاش الموصلي، وإبريق شجاع بن منعة الموصلي. شهدت دمشق والقاهرة تأثيراً واضحاً لصناع الموصل، حيث هاجر العديد منهم بعد الغزو المغولي. زيّنت تحفهم برسوم زخرفية متنوعة، واستمر تطور هذه الصناعات حتى وسط القرن التاسع عشر، حيث نشأ سوق الصفارين الواسع والمزدهر، يمتد بزقاق طويل يضم محلات لحرفيي مهنة الصفّار.
اسم المهنة يستمد اسمه من المادة المعدنية، ويعرف عامة الناس بـ “الصفر” نسبةً إلى لونه الأصفر المائل إلى الاحمرار. في سوريا وعدة دول عربية، يعرف حامل هذه المهنة بـ “النحّاس”. كان سوق الصفارين مميزًا بالضجيج الناتج عن مطارق الحرفيين، ويتفاهمون بالصراخ العالي كأنهم في شجار. يُستورد النحاس من ديار بكر وجبل الجوشن في البداية، ثم انتقلت عمليات استخراجه وتصنيعه إلى الدول الأخرى. التاجر (شاهين) كان من بين التجار المشهورين في الموصل وكان له دكان في خان الصالحية. يُقطع النحاس بواسطة المصنعين إلى صفائح رقيقة، ويُشكلونها باستخدام مطارق وسنادين مختلفة، مع التسخين بواسطة الكور والفحم الحجري.
تلك الرجال كانوا ينتجون تحفًا باهرة، حيث كانت تنبع جهودهم الشاقة والتي تتسبب في تدفق العرق من جسميهم من الأصناف التي لا تزال تتخذ مكانًا خاصًا في منازل الأسر الموصلية لتزيينها وتخليد الذكريات. كان لكل صانع نحاس اختصاصه الخاص، حيث اتقن فنون صناعة نوع محدد من المواد وتفنن فيها. كانت تشمل هذه التحف الإبريق الموصلي، الذي كان يتفوق على منتجات صناعات العالم العربي. وتشمل أيضًا أواني الطهي بأحجامها وأنواعها المختلفة، بالإضافة إلى الصواني ومنها الكنديرة الثقيلة التي تتدحرج على الأرض بسبب وزنها الزائد، مما يجعل حملها صعبًا خاصةً بالنسبة للأطفال. وتتضمن أيضًا مناسف تقديم الطعام، وأدوات متنوعة مثل المصافي والسطلات والطاسات والطاوات والطسوت بأحجام وأشكال مختلفة. ولا تقل أهمية لوازم الحمام مثل القعادات والطوس، بما في ذلك طاسة الخشخاش التي تعيد صداها الجميل عند استخدامها، والمعدسي الذي يستوعب المواد الصغيرة بشكل فعّال.
ترتبط عمل الصفارة بتعاون مع فنان آخر يمتهن مهنة المبيض أو “بياض المويعين”. يقوم هذا الفرد بتلميع وتبييض الأواني النحاسية باستخدام الكور ومسحوق الشناظغ (النشادر) ومادة القلاي (القصدير)، عملية تجديد تلك الأواني وتغليفها بطبقة برّاقة تمنع تفاعل النحاس مع الحوامض وتحمي من التسمم. يتجول المبيض يومياً بين البيوت لجمع الأواني، ويقوم بنفس العمل في القرى والأرياف في فصل الصيف، حيث يقوم أيضًا بتلميع وتبييض أوانيه وأدوات الشيوخ.
في منتصف القرن العشرين، انتقل الصفارون تدريجياً إلى صناعة أواني الألمنيوم (الفافون) بدلاً من النحاس الذي ارتفع ثمنه عالميًا وكان ثقيلاً، حيث فضّل الناس الفافون لخفة وزنه وعدم حاجته إلى صيانة سنوية.
كان للصفارين في الماضي نقابة تسمى “الصنف” تضم كبار السن في المهنة والأسطوان الذين كانوا يحلون المشاكل بين أبناء الصنف. استمرت النقابة في العمل حتى حوالي السبعينيات. لم ينقل الصفارون أسرار مهنتهم إلا لأولادهم، وعملت العديد من الأسر في هذه المهنة، بينها أسرة الحاج حسين توفيق حسين الصفار وأسرة الحاج يونس عبدالواحد الصفار وأخرى.
محمد النحاس كان أحد القادمين من سوريا الذي استقر في الموصل وتعلم مهنة الصفارة، حيث يُعرف هذا الحرفي في سوريا باسم “النحاس” وتُعرف سوق النحاسين في هذه البلاد باسم (سوق النحاسين). في الوقت الحاضر، تجد الأدوات المنزلية المصنوعة من الألمنيوم والستيل مكاناً في المعامل الحديثة التي تعتمد على الكهرباء أو تُستورد من خارج البلاد.
سوق النجارين يتواجد في حي الميدان شرق الموصل القديمة، حيث نشأ مع تأسيس المدينة في الأزمنة البعيدة. في السابق، كان يُعرف بسوق القتابين، حيث كان يستضيف صناع الأقتاب للجمال. مع مرور الوقت، تحولت وظيفة السوق إلى مكان للنجارين المعروف بلهجة الموصلية بـ”النجيغين”. بسبب قربه من مناطق يقطنها النصارى، عمل العديد منهم في هذا السوق وأدوا أعمالهم في منازلهم.
كان لدى النجيغين أسطوات مهرة مثل سليم النسر وبهنام زيونة وسليم مشموس وفصيح ججي وجيدو وحازم ورمزي نبود. كانت سكان الموصل يعتمدون بشكل كبير على صناعات هذا السوق، خاصة في مجال المواد الخشبية المنزلية التي تستخدم في الحياة اليومية، وكذلك في الخبز والطبخ. تشمل هذه الأدوات التختات للجلوس والتخوت للنوم والاستراحة، والصندليات التي تُستخدم لتزيين غرف الجلوس بنقوشها الجميلة وتوفير مساحات للتخزين.
تعتمد الأسر الميسورة في الموصل على الاستيراد من الهند لصندلية وصندوق خشب، حيث يُستخدمان غالبًا لتخزين ملابس العروس وربة المنزل لاحقًا. القباقيب، التي كانت تُستخدم بدلاً من النعال في المنازل والحمامات الشعبية، تظهر أيضًا في هذا السوق.
يتم صنع مستلزمات الأطفال في سوق النجارين، مثل المهد وديدانية وكرسي وحجلة، بألوان زاهية حسب طلب المشتري. المهود ما زالت تستخدم في معظم الأسر لراحة الطفل وتوفير نوم صحي. يُصنع أيضًا لعب الأطفال، مثل المزغاع والطير الخشبي وقاصة الخشب.
كما كان النجارون يُصنعون لربات البيوت مستلزمات عديدة من الخشب، مثل دولاب المطبخ والقفصجة وتختة فرم اللحم وتختة الخبز. القصعة، وهي وعاء كبير من خشب الجوز، تُستخدم لحفظ المواد وفتح رغيف العجين.
يظهر أيضًا في هذا السوق المصائد للفئران، وكانت بعض الأسر تُعرف باسم “أسرة ببيت فارة” نتيجة اشتغالهم بصناعة وبيع مصائد الفئران. وتتضمن المستلزمات الأخرى المُصنعة من قبل النجارين، ثلاجات الخشب، ومحمل المصحف الشريف، والنعش الخشبي الذي توقف استخدامه في التسعينيات بسبب ارتفاع تكلفته.
كان النجارون في الموصل يعتمدون في الماضي على آلات يدوية بسيطة ويقومون بجهود شاقة في تشكيل وحفر خشب الأشجار الذي يحصلون عليه من سكلّة الخشابين في “باب القلعة”. كان لكل مجموعة من النجارين “جرّاخ” الذي يعمل على جرخ ونقش الخشب باستخدام الجرخ الدوار اليدوي لتحقيق الشكل الأسطواني أو المحزز وفقًا لمتطلبات النجار.
في الوقت الحالي، شهد استخدام المكائن الكهربائية الحديثة تطورًا كبيرًا في عمليات قطع الخشب. استبدل الجرّاخ الآلات اليدوية بمكائن كهربائية دوّارة، مما يتيح له إنجاز كميات كبيرة من الأعمال في وقت قصير. يتناسب النجارون في الوقت الحاضر مع ذوق الجيل الحديث، حيث يعملون على صناعة مواد وأدوات جديدة مثل مناضد التلفزيون والأسر الحديثة لنوم الأطفال والتخوت والكراويتات للجلوس وغيرها.
Great tips on upgrading your home! 🏡 If anyone is looking for professional electricians in Stockholm to ensure their wiring and electrical installations are up to standard, check out Hbel.se. Reliable service with a focus on safety!”