بعد أن استعرضنا في حلقات سابقة من كتابنا الحديث التي نشرناها في هذا الملحق من جريدة المدى الزاهرة عن الأصوات النسائية التي قدمت إبداعها على مسارح بغداد وباقي المدن العراقية التي ذاع صيتها
وبرغم إن ما قدم من أغاني قد تكون كررت من قبل المطربات اللواتي تم ذكرهن إلا أن من المفرح إن العنصر النسائي حضر بجمال وأناقة وثقافة ولابد لنا من ذكر تلك الأسماء والتي كانت تقف وراء إبداع تلك النسوة الفنانات اللواتي ظهرن بزمن لا يخلو من القيود الاجتماعية بتقاليدها المعروفة المتشددة لموضوع الغناء إلا انه برغم ذلك أصبح الجمال الغنائي صفة مميزة بتاريــــخ الغنـــاء العراقـــي شــكراً لمن كتب ولمن لحن ولمن غنى وأدى.
تميزت تلك الحقبة الزمنية من تأريخ العراق الغنائي, بظهور أسماء من المطربات والملحنين وشعراء الأغاني هكذا هو حال التغيير بعالم الأغنية العراقية لحناً واداءاً وكتابة للنص الغنائي, نعم هي ثقافة متجددة وفق معطيات الزمن.
حينما نتذكر مطربات الرعيل الثاني نقف عند أصوات استمر عطاؤهن الغنائي لعقود زمنية أمثال عفيفة اسكندر وصبيحة ابراهيم وكذلك الحال للميعة توفيق واحلام وهبي وهذا الحال ينطبق على الملحنين أمثال ناظم نعيم ورضا علي واحمد الخليل ومحمد نوشي وآخرون..
عموماً أصبح الغناء ثقافة وذائقة أجيال والجميل إن الأصوات النسائية العراقية قدمت لنا حكايات من الجمال الغنائي تتذكره مسارح العالم العربي..
الفنانة القديرة أحلام وهبي
هي محطة غنائية عراقية ذات نكهة ممزوجة من جمال الأصوات النسائية التي سبقتها من مطربات الرعيل الأول, كيف لنا ان نتحدث عن سفيرة الأغنية العراقية والبغدادية ومن ثم يصح لنا القول هي عربية بكل ما تحمله المفردة.. ومن خلال ما كتب عن هذه الفنانة التي لم يحالفني الحظ لقاءها حتى أضيف لمعلوماتي أشياء ظلت محط تساؤلاتي عما ذكر عن هذه الأيقونة الغنائية العراقية.
من يتحدث إنها ابنة الشاعر العراقي حافظ جميل ويتحدث ابنها الدكتور د. أحمد زكي بلقاء مع صحفي عراقي يعمل بجريدة الزمان إن أسم والدته الحقيقي سهام أحمد عبد الرحمن ويذكر إن ولادتها عام 1932 على نقيض مما يذكر بولادتها عام 1938 ومن جهة أخرى سألت الراحلة ذات يوم عن مدى صدق المعلومة المتعلقة بوالدتها هل هي منيره الهوزوز؟ نفت ذلك وذكرت ان منيره الهوزوز هي مربيتها وعاشت معها وتأثرت بفنها.
أكيد إن بنت البصرة هي امتداد لتلك الأسماء البصرية التي عرفتها تاريخيا أو الأسماء التي عاصرتها وهي كثر وعطائها ظل بخارطة الثقافة العراقية والعربية إن ما يهمنا ونحن نكتب عن رموز الوطن وأهمية دورهم في بناء الإرث الغنائي الرصين ببلد عرف الغناء وتفاصيله منذ حضاراته الأولى..
إن معظم فنانينا وفناناتنا اجتمعت الفطرة والإبداع بما قدموه لنا من جمال فني ومن هذا الجمال هو جمال الأغنية العراقية والتي كانت للأصوات النسائية العراقية أو اللواتي سكن العراق وتعلقن بجمال الحياة فيه وهن كثر وأحلام وهبي التي وجدت نفسها مع أسماء من المطربات العراقيات أمثال سليمه مراد وزهور حسين وعفيفه اسكندر أرادت ان تتميز عنهن فكان ما أرادت أن يتحقق من أحلامها العام 1958 كان عام الفرح بحياتها وهي تعتمد كمطربة بدار الإذاعة العراقية وهي تقدم رائعة من روائع أغانيها تلك هي أغنية عشاك العيون التي لحنت من قبل الملحن ناظم نعيم والذي وجد بصوتها الأداء والإمكانية التي كانت لدى مطربات الرعيل الأول وصولاً لعفيفه اسكندر حيث الغناء والرقص في آن واحد ووضوح النطق للمفردة الغنائية العراقية لتكون أغانيها عيون عيون وعندي هديه للولف ورده إضافة إلى هاي قسمتي من الله وما أعتب عليك وأغنية بريئه ويتيمه وأغاني وطنية منها شهر الحرية ويا محلا شهر كانون وأعمال غنائية أخرى مع هذا الملحن الذي اثرى التأريخ الغنائي العراقي بروائع من الألحان لأصوات عدة.
كانت المدارس اللحنية العراقية تساهم برفد صوت الفنانة أحلام وهبي بقصص غنائية ولا أروع من جمالها من تلك المدارس أحمد الخليل حيث لحن لصوتها سبع أيام من عمري حلالي وأغنية تلاكينه ولم تقف عند هذا الحد من الملحنين فها هو خزعل مهدي يقدم لها منولوج شقاوه لتؤديه بأحدى ألأفلام التي شاركت بها ثم يأتي دور الملحن ياسين الراوي بأغنية لا ياكلبي ويعود خزعل مهدي ليلحن لها أغنية هلهلي ياسمره هلهلي.
غنت احلام وهبي للبشرة السمراء والبيضاء ومنها أغنية حلوين السمر والبيض ذلك ارث كبير ومهم لهذه الفنانة التي مازجت بغنائها الحركة والأداء المعبر عن النغم الذي تؤديه لتدخل قلوب الملايين.
في العقد السبعيني غادرت احلام وهبي العراق لتستقر في لبنان التي بدأت رحلتها ببداية العقد السبعيني الى العام 1975 وفي تلكم السنوات الزاهرة بحياتها انبثق الصوت النسائي العراقي حاضر لدى ذائقة أهل مصر العروبة فقد سبق لعفيفه أسكندر أن اعتلت المسارح والنوادي الاجتماعية في العقد الثلاثيني من القرن العشرين نفسه لتأتي أحلام وهبي تعيد تلك الليالي وبشكل أخر ومع مدارس اللحن المصري الكبيرة أمثال مدارس الموجي وبليغ حمدي وسيد مكاوي ومراد منير بأغاني عاطفية ووطنية وأصبحت معروفة لدى المجتمع المصري العاشق للأغنية الجميلة عموماً.
فمن الحان الموجي غنت زمن ياجار ومن الحان بليغ وسيد مكاوي كانت أغنية ايه شكل الحب ايه ومن الغناء الوطني الذي قدمته لمصر أغنية بمضمونها حب الشعب العراقي لشقيقه المصري وقد كتب كلمات تلك الاغاني الشاعر محمد الابنودي ومحمد حلاوه.
ان فنانتنا بدأت حياتها عند نهاية العقد الخمسيني وظلت تقدم فنها للعقد السبعيني او ربما كانت تمارس الغناء حتى في العقود التي تلت العقد السبعيني من خلال الحفلات الخاصة هنا وهناك.
لا يمكن أن نكون ملمين بكل مشوارها الفني الرصين والمتنوع إلا أن البحث والكتابة عن تلكم الرموز ما هي إلا أمانة لابد من ذكرها للأجيال فمن باحث لآخر تتضح الرؤيا لدى القارئ
يذكر ابن الفنانة الأستاذ نبيل زكي أحمد أن والدته مكثت في الولايات المتحدة الامريكية لمدة خمس سنوات حينما كان طالباً يتلقى تعليمه بالولايات المتحدة في الفترة من عام 2003 إلى العام 2009 بعدها عاودت إلى منطقتها التي ترعرعت بها التي تعدها ذكرياتها وأحلى سني عمرها إنها الكرادة حيث ظلت تسكن في شقة بإحدى أزقة الكرادة بمفردها لتعيش مأساة الوحدة وتتناسى الإعلام لها والدولة لتفارق لوناً غنائياً خاصاً بها لتظل الأقلام تكتب عن أحدى ايقونات الوطن اللواتي قدمن الجمال الحقيقي بتفاصيله الغنائية الخلابة.