تعتبر دار توفيق السويدي في شارع حيفا من بين أجمل المنشآت التراثية في بغداد، حيث تتميز بقيمتها المعمارية والتاريخية البارزة، وهي اليوم مقر المركز الوطني للوثائق. المهندس نعمان منيب المتولي، الذي صمم هذه الدار، هو ابن مصطفى أفندي متولي، الذي كان إمامًا في جامع الإمام الأعظم. تحمل تفاصيل تصميم الدار بصمة مهندسها، الذي نفى والده خلال العهد العثماني بسبب خلاف مع والي بغداد.
يروى أن مصطفى أفندي، والذي كان إمامًا في جامع الإمام الأعظم، نفى بعد أن ضربه الوالي على رأسه بالأرجيلة والشجه، فانتقل إلى الاستانة نظرًا لمكانة عائلته. هناك تزوج من تركية، ومن هذا الزواج خرج نعمان منيب. عاد مصطفى إلى العراق بعد انتهاء العهد التركي، وعاش نعمان في الاستانة حتى سن الثامنة عشرة، حيث أكمل دراسته الابتدائية والثانوية. عند عودته إلى بغداد، برزت ثقافته الرفيعة وشغفه بفنون الموسيقى والرسم والخط.
أثناء الاحتلال البريطاني، عمل نعمان في إحدى الهيئات الهندسية كرسام، حيث برزت موهبته وقابلياته، وشارك في دورات هندسية، ليصبح من رواد المهندسين العراقيين. كان له دور في تعريف المعماريين الإنجليز على جمال الطابوق العراقي وصناعته. عمل لاحقًا كمهندس في مديرية الأشغال في المنطقة الوسطى، ثم في أمانة العاصمة، وأصبح مرجعًا لكل من ارتشد العمري ومحمود صبحي الدفتري عندما أصبحوا أمناء للعاصمة.
من أعماله المعمارية برز تصميم دار توفيق السويدي ودار ناجي الخضيري في الأعظمية، ودار سلمان الشيخ أحمد الداود في شارع أبي نواس. صمم كذلك سينما الزوراء في شارع الرشيد، وسوق الأمانة، وفندق الأمير، وبناية جمعية الطيران العراقية، المعروفة بساحة الطيران ببغداد. توفي نعمان منيب في عام 1961.
يُعتبر شارع حيفا في بغداد محتفظًا بالعديد من الدور التاريخية، منها دار ال سويدي ودار الدكتور توفيق محمود ودار عبد الهادي الظاهر ودار عبد الرزاق الظاهر ودار مارنكوز. ومن بين هذه الدور، كان يعرف بـ “البيت الألماني”، نظرًا لتميز هيكله الذي يشبه دور الريف في بافاريا. يقال إن صاحب هذا الدار كان مهندسًا في مشروع قطار بغداد-برلين، وأصبحت في وقت لاحق مكتبة عامة في الثمانينيات. بالجوار، يوجد دار المهندس المعماري فهمي دولت، والذي كان من بين رواد المهندسين العراقيين.
من الدور الباقية في نفس المنطقة، يبرز دار سعدون الشاوي التي تطل على نهر دجلة، وهي واحدة من أجمل الدور الشرقية المتبقية. يُذكر أن الدار بناها أولًا الثري اليهودي حسقيل شنطوب، ثم اشتراها المرحوم سعدون الشاوي والد الصديقين احسان ووميض.
يُعد تصميم دار توفيق السويدي في شارع صلاح الدين بالكرخ (المعروف أيضًا بشارع حيفا) من بين أبرز أعمال المهندس المعماري نعمان منيب المتولي. نفذت عملية البناء باستخدام إحدى أساليب البناء المعروفة في بغداد، وهي الأسطة الماز. تعتبر تلك الدار، التي بُنيت في عام 1932 والتي تحمل اسم توفيق السويدي على واجهتها، من التصاميم المتأثرة بالاتجاهات الكلاسيكية الأوروبية في مجال العمارة.
يُشير تصميمها إلى استيراد أفكار المعمار من الخارج، وكانت هناك تأثيرات واضحة من العمارة الأوروبية الكلاسيكية. يُذكر المعماري السوري بدري قدح كواحد من أفراد هذا الاتجاه، وأيضًا الاسطوات البغداديين الآخرين مثل إبراهيم العبطة، واسطة حمودي، واسطة الماز، الذي نفذ تشييد دار توفيق السويدي وداري أخويه.
كانت دار توفيق السويدي مقرًا لمكتبة الكرخ العامة من أواخر الستينيات حتى عام 1981، حين بدأت أعمال تطوير شارع حيفا.
توفيق السويدي انتقل للإقامة في داره الذي بناها عام 1932، وظلت هذه الدار مسكنًا له حتى وفاته في بيروت في 15 تشرين الأول 1968. في صبيحة يوم الثورة في 14 تموز 1958، تعرض منزل السويدي للتفتيش والتخريب من قبل محققين، حيث أخذوا فيها مكتبته الشخصية التي كانت واحدة من المكتبات الكبيرة، خاصة بالكتب القانونية، حيث كان السويدي من القضاة الرائدين في العراق. تخرج في جامعة السوربون وعمل كأستاذ في مدرسة الحقوق ببغداد، التي تحولت فيما بعد إلى كلية الحقوق.
من بين كتبه القانونية الشهيرة كان له كتاب “حقوق روما”، الذي كان يُدرس في معاهد الحقوق العربية، وقام بترجمة كتاب “مبادئ الاقتصاد السياسي” لشارل جيد، وكلاهما نُشرا في عام 1923.
يُشار إلى أن عملية التفتيش في منزل توفيق السويدي أدت إلى التعدي على مكتبته، وأوراق هامة تمت صادرها، بما في ذلك وصية المرحوم عبد المحسن السعدون، والتي فقدت إلى اليوم. يُلاحظ أن عائلة السويدي كانت ذات صلة عائلية بعائلة السعدون الكريمة، حيث كان توفيق متزوجًا من فخرية، ابنة عبد الكريم الفهد السعدون، شقيقة عبد المحسن السعدون، الذي كان رئيس وزراء العراق المنتحر في عام 1929.
بعد إطلاق سراحه في عام 1961، ترك توفيق السويدي العراق، وبصدرٍ رحب للأجيال اللاحقة. تاركًا خلفه داره الجميلة، ومذكراته المميزة المعروفة باسم “مذكراتي في خدمة القضية العربية”، التي رأت النور في بيروت عام 1969 برعاية الصحفي قدري الكيلاني. كما أسهم في تراثه الأدبي كتابه “وجوه عراقية” الذي نُشر باهتمام من الأستاذ نجدة فتحي صفوة.
رحيل السويدي في بيروت شكّل حدثًا مؤثرًا، حيث تم نقل جثمانه إلى بغداد، وشهدت مراسم تشييعه موكبًا يمتد في شارع صلاح الدين. بُتر مشهد تأبينه في مقبرة الشيخ معروف بالكلمات والقصائد العاطفية. دُفن في مقبرة الأسرة التي كانت تدير أوقاف جامع ومرقد الكرخي.
أما داره الفاخرة، فلفترة طويلة ظلت مهملة، إلى أن تم توظيفها من قبل الجمعية التعاونية لوزارة التربية. تحولت حديقتها الأمامية إلى محلات تجارية، بينما أصبحت الخلفية مساحة لبناء متنوع، حتى عام 1981، حين بدأ تطوير شارع حيفا. في 1988، احتضنت مكتبة المخطوطات في المتحف العراقي داخل دار (اسم محذوف)، لتصبح لاحقًا المركز الوطني للمخطوطات وما زالت كذلك حتى اليوم.